Monday 29, Apr 2024

تغذية الأولاد بين المتعة والقوانين

كلّ يوم، يحتار الولد اليافع او حتّى المراهق(او المراهقة)، ما بين اصناف الأطعمة والأطايب المتزايدة والمتوفّرة له، وبين تصاعد شهيّته التي غالباً ما تميل الى تناول اطعمة دسمة وغير صحيّة والى "اللقمشة"، وايضاً ما بين القواعد والقوانين الغذائية المفروضة تارةً من الأهل وطوراً من المجتمع، الإعلام وخبراء التغذية.. هذا عدا التعليمات التي يمليها الأصحاب والأصدقاء،... ما يخلق تناقضاً فادحاً: الصحّة او اللذّة؟ المراقبة الذاتية او السير في التيّار الاجتماعيّ؟ التغذية المعاصرة او العادات العائليّة المترسّخة؟ إلخ.. 
 
هل تسمح السنّ اليافعة ببعض التجاوزات الغذائيّة؟ 
سرعان ما يعي الولد مختلف القواعد والعادات الغذائية السليمة التي يمليها اهله، خبراء الصحّة ووسائل الإعلام.. وهذا ما أكّدته آخر الدراسات في المجال. لا بل يقول الباحثون بأنَّ بعض الأولاد المُستَطلَعين في سنّ الرابعة، يكرّرون توصية السلطات الصحيّة: "وجوب تناول 5 حصص من الخضار والفاكهة كلّ يوم" والتي سمعوها عبر التلفزيون. أجل، صدّقوا ام لا، يهتمّ العديد من صغار السنّ بصحّتهم وتغذيتهم، ويعون جيّداً المخاطر المحتملة لفرط استهلاك بعض الأصناف، على صعيد وزنهم او نموّهم. وهذا البعد المهمّ يولّد لدى الولد بعض القلق، او الشعور بوجوب مراقبة تصرّفاته وتغذيته اليوميّة. ايضاً، نرى هذا الهاجس يتجلّى بوضوح في الصفوف الابتدائية في المدرسة. على سبيل المثال: منذ سنّ ال 9 او ال10 أعوام، قد أكّد بعض الأولاد الذين استطلعتهم الدراسة، بأنّهم تخلّوا عن وجبة الساعة العاشرة او الحادية عشرة قبل الظهر، إذ تعتبر كعادة خاصّة بالأولاد "الصغار" الذين يعجزون عن الانتظار ليحلّ موعد الغداء والذين لا يعرفون كيف يسيطرون على شهيّتهم! 
إجابات تكاد تذهلنا لشدّة نضجها وحكمتها.. وإنّما، تظهر الدراسة بالمقابل، أنَّ حاجة مراقبة التغذية اليومية تتضارب باستمرار مع مبدأ الاستمتاع واللهو، اي مع سمات الطفولة. بالفعل، حوالى 80 الى 90% من الأولاد يظنّون بأنَّ سنّهم اليافعة تسمح لهم ببعض التجاوزات او النزوات الغذائية: سكاكر، رقائق البطاطس المقليّة، بوظة،... فاستهلاك هذه الأصناف يعزّز مكانتهم بين امثالهم من اصدقاء، زملاء،... في الواقع، أن يقول الولد بأنّه يهوى السكاكر او الشوكولاته ويكره الخضار، لا يعني بأنّه لا يتناول هذه الأخيرة يومياً او اسبوعياً. وإنّما، قد يصعب عليه الاعتراف بذلك امام اصحابه. والحالة هذه، يبدو الولد عالقاً في نظام من التعليمات المتناقضة! الوجبات او الأطايب الصغيرة (سناك)، المرطّبات الغازيّة وغيرها من السكاكر والأصناف الحلوة، تشكّل ما يفترض أن يستحبّه، وذلك للانتماء الى جماعة اصحابه وزملائه، وإنّما تمثّل في الوقت عينه ما يجب عليه الحذر منه. كلّ هذا يولّد نوعاً من الازدواجيّة حيال القواعد والرسائل الغذائية والتي تصرّ على ضرورة مراقبة التغذية ونمط العيش ولكنّها احياناً تظهر كمملّة وتكراريّة وربّما صارمة. 
 
يهتمّ المراهق بالعادات السليمة ولكن...
شأنه شأن الأصغر سنّاً، ينظر المراهق بجدّية الى الممارسات الغذائية الصحيّة. حتّى ولو كان ليذعن مراراً امام استهلاك اطعمة ممتعة برفقة اصحابه: برغر، سندويشات جاهزة، رقائق البطاطس المقليّة، مرطّبات سكرية،.. فهو يخشى بالمقابل اكتساب السمنة ولا بل ينظر سلبياً الى مسألة البدانة. وعليه، يحاول إدراج اطعمة صحيّة بالتناوب مع الأطعمة المذكورة. وهذا ما اظهرته آخر الدراسات الميدانية الواسعة في المجال (في المنازل، في المقاصف المدرسيّة، المطاعم وفي الشارع). هكذا، قد لاحظ الباحثون وجود تعدّدية من المراهقين، بحاجة الى تعدّدية في خطابات الصحّة العامّة وليس الى رسائل غذائية إعلاميّة موحّدة وشاملة، كما هي الحال في ايّامنا هذه. من جهة أخرى، في مرحلة المراهقة، تؤثّر جماعات الأصدقاء والأصحاب شديداً على ما سيتناوله الولد، لا بل تحدّد شروط أكله، لكنَّ تأثير العائلة من والدين وجدّين، مهمّ للغاية ايضاً. وعليه، قد انكبّ الباحثون على دراسة ما يلي: كيفيّة إدراك المراهق لتغذيته، وما قد يخجله ضمنها. 
 
هاجس المراهق: جسم رشيق ونشيط
للشباب اليافع هاجس مزمن: أن يبني جسماً نشيطاً يتمتّع بأعلى لياقة بدنيّة. بالفعل، للفظة "دسم" مدلولات سلبيّة عند المراهقين او المراهقات، وهذا ما لحظه الباحثون خلال استطلاع هؤلاء. لا بل يربط العديد منهم هذه اللفظة بمادّة مقرفة، لزجة او رخوة (لحوم دهنيّة) وشفّافة (مادّة دهنيّة مذوّبة في مرق او عصائر او صلصات الطهو)، قد يجدونها في طبقهم. وعلى العكس، هم يهوون اطباق جدّتهم التقليدية الصغيرة والتي لا يصفونها ابداً بالدسمة حتى ولو كانت غنيّة او "ثقيلة" على الأمعاء بعض الشيء! إذاً، في ذهنهم، ثمّة "دسم" جيّد وآخر سيء وذلك حسب نوع الطبق، مكان استهلاكه، والأشخاص الذين يشاركونهم تناول الطعام. 
إن كنتَ مراهقاً، عليك التمتّع بجسم لائق ومقاوم، اي ضمن الحدود الصحيّة السليمة. امّا كلّ ما هو مكتنز ورخو، فمدعاة خجل! هكذا، يفكّرون.. وامّا هذا الخجل تحديداً فيعبّرون عنه حيال الأطعمة التي يتناولونها في المنزل العائليّ، ويتجلّى خاصّة عند يافعي ومراهقي العائلات المهاجرة؛ خارج المنزل، يؤكّد العديد من المراهقين بأنّهم يخجلون من عادات اسرتهم الغذائية، مثلاً: تناول الطعام باليد وبدون الشوكة والسكّين،.. مباشرةً من طبق كبير واحد. كلّ ما يناقض العصريّة والثقافات المتقدّمة والمتطوّرة يخجل هؤلاء الشباب، إذ يبعدهم عن السلوكيّات "الحديثة" التي يمليها الأصحاب والزملاء،... 
 
بعض المراجع:
دراسة AlimAdos- جامعة مارسيليا وجامعة ستراسبورغ- فرنسا
  • عنوان: تغذية الأولاد بين المتعة والقوانين
  • منشور من طرف:
  • تاريخ: 7:38 AM
  • العلامات:
Top